ذات يوم كنت أؤدي امتحان للقبول في الكلية ... ومن شدة ارتباكي بدأت يدي تهتز ... وترتجف الورقة بين أصابعي .... وصرت أتلفت باحثة عمن أسأله ولم يكن عندي سؤال ,,, وفجأة وجدت وجهه الأسمر الباسم أمامي
- تحت أمرك .... اهدي بس كده وقولي لي عاوزه إيه ؟؟؟
- مش فاهمة حاجة
وبدأت أتشنج ... وصار لبكائي صوت .... وأنا أمد يدي إليه بالورقة وأفتح علبة المواد ....
- انسي ده كله دلوقتي ...... تعالي نغسل وشنا وبعدين نشوف الامتحان اللي مزعلك ده
مد يده ليمسك يدي فأخذت خطوة للخلف .بانزعاج
- آسف .... مش قصدي ... مخدتش بالي ..أنا مديت إيدي تلقائي علشان أساعدك ... أنا أسف جداً .....
وسرت وراءه ناظرة إلى الأرض لأداري ابتسامة رسمها على وجهي احمراره المفاجئ واضطراب ملامحه
مرت الأيام والتحقت بالكلية ... وأخذتني الدراسة ولكني لم أنس هذا الوجه ... وكنت أحاول أن أبحث عنه علّي أجده أو أقابله .. ثم أعود فأستغفر وألزم دراستي
ومرت سنوات الدراسة بحلوها ومرها وبلغنا السنة النهائية .... وأنا بين الجد والعمل ..... لم أنس هذا الوجه الذى لم أره مرة أخرى وكأنه كان حلماً
- نيرمين .... اخترت مشروع التخرج وللا لسه ؟
- الحقيقة أنا شخصياً معنديش اقتراحات بس فيه .....
- خلاص يبقى انضمي لينا ؟؟
- مش عارفه ياهشام أقول لك إيه .... ؟؟ مجموعة نادر كانوا عرضوا علي أدخل معاهم
- المشروع بتاعنا حيعجبك ..... حنعمل ملاهي تعليمية للأطفال
- الله ...ماشاء الله فكرة حلوة قوي
- شفت بقى ... أنا عارف .....
- طيب أستخير وأرد عليك
- ... امتى ؟؟
- في أقرب فرصة ....
- عاوزين نبدأ ومحتاجين أفكارك ...
- حاضر إن شاء الله
تركت زميلي وسرت لأجلس على أحد المقاعد أفكر.... وأثناء جلوسي رأيت الوجه الأسمر مرة أخرى ..يتقدم نحوي ..مبتسماً !!!! أو هكذا خُيّل إلي .... فقمت رغماً عنّى وتوجهت إليه أتعثر في خطواتي ولكني كنت مدفوعة برغبة أن أحادثه ..
- سلام عليكم يا باش مهندس
- أهلاً وسهلاً .... تحت أمرك أي خدمة
لم يعرفني إذا ..... وهذه الابتسامة كانت من نسج خيالي .... وارتبكت .... وشعرت أن كل دمائي تدفقت لتقفز من وجنتي وتسيل حرجاً على جسدي ... وحاولت أن ألملم ما بقي من كرامة فقلت بصوت متحشرج
- كنت عاوزه أخد رأي حضرتك .. لو ممكن؟؟
- طبعاً .... اتفضلي خير ؟؟؟ مشروع التخرج أكيد برضه ؟؟
- أيوه ؟؟ هم مشروعين قدامي .... ملاهي تربوية للأطفال ... وورشة خزف ب.....
- أنا حشرف على الملاهي التربوية ...... فطبعاً أهلا بك في المجموعة ... إنما لو كانت عاوزه....
- لأ لأ ..... أنا فعلاً كنت أميل أكتر للمشروع ده
- خلاص خير ... اتفقي مع هشام هو مسؤول الفريق
تركني وانصرف ... يا لسذاجتي ...هل تصورت إنه يتذكرني ؟؟؟ كيف ؟؟ ولماذا ؟؟؟؟ وأين كان الفترة السابقة ..؟؟ ولماذا ظهر فجأة ؟؟؟ وهل هي مصادفة أن يُشرف على مشروع تخرجي أم ......!!!!!؟؟؟ماهذا الهراء ..... اعقلي يا نيرمين وركزي .... إيه الأفكار الطفولية دي ... اتقي الله
ولكني كنت سعيدة ومنتعشة رغم إحراجي النفسي .....صوت جميل صغير كان يزقزق بداخلي ..... سأراه .!!!
أثناء العمل في المشروع نقضي معاً تقريباً أغلب ال 24 ساعة اليومية ..... ونتبادل المساعدة في الرسم .. ثم في العمل على الماكيت .. وكل هذا بإشراف المدرس المسؤول عن المشروع .... وجدته لطيفاً حانياً كما اكتشفته من أول يوم لمحته فيه ..... وهو متحفظ التزاماً .... ولكنه طلق الوجه, دائم الابتسام .... كنت أقاوم مراقبتي له .... وأزجر نفسي عليها .... فلقد شعرت أني أحبه ولم أكن أحتاج أن أغذي هذه النار أكثر من ذلك .... فالمشروع سينتهي عاجلاً أو أجلاً .... وستنتهي به الدراسة في المكان .... ولن أراه
كلما كررت العبارة تأخذني الغصة .. وأتحشرج في أنفاسي ..... لماذا عاد ..؟؟؟؟ لماذا لم تطل بعثته حتى أتخرج وكان سيظل بالنسبة لي مجرد وجه مريح لمحته مرة في لحظة ضعف فترك في نفسي أثراً.لماذا عاد ؟؟ ولماذا قبلت العمل تحت إشرافه ؟؟؟؟
- نيرمين الغدا عليك بكرة
- إيه حكاية الغدا دي ؟؟
- دكتور يوسف قرر إن علشان نخلص بسرعة مفيش break غداً .. وان كل واحد فينا عليه الغدا يوم
- واشمعنى أنا بكرة؟؟
- هو اللي حط الجدول بنفسه واختارك أول يوم ... هه حتغدينا إيه ؟؟؟
وانضم إليها زميل آخر ثم ثالث ..يفاضلون الأطعمة .. ويقررون ضاحكين اعتماداً على كرم أمي وجودة طعامها قائمة ما يريدون ... أما أنا فكنت في وادٍ آخر ... لماذا بدأ بي ؟؟؟؟
- نيرمين ....عندي سؤال بس مكسوفة أسألك ؟؟
- خير ؟؟
- توعديني متزعليش مني ... ؟؟
- أوعدك .... خير ؟؟
- هو د. يوسف متقدم لك أو حاجة ؟؟؟؟؟
- هه ؟؟
هل كان صوت الزغاريد في رأسي أم في مشاعري أم إنها سارينة خطر ... أم صفارة إنذار .... لست أدري .. كل ما أعرفه أن أصواتاً كثيرة انطلقت في أذني
- لو مش عاوزه تردي براحتك يعني ... أنا بعتبر نفسي صاحبتك و ....
- أبداً أبداً ..... أنا بس اتخضيت من السؤال ...
- اتخضيتي إزاي يعني ... مفيش حاجة بينكم ؟؟؟
- طبعا لأ !!!! ده كلام يا نورا ... أنا برضه ممكن يكون بيني وبين حد حاجة مهما كان
- ما أنا علشان كده بسأل .... إنت إنسانة متدينة فتصورت إن فيه مشروع خطوبة
- جبتي الفكرة منين ؟؟
- أنت مش شايفه بيبص عليك إزاي وللا إيه ؟؟؟ كلنا واخدين بالنا
- واخدين بالكم من إيه ؟؟
- لأ ده إنت تبقي يا ساذجه يا عبيطة .... اهتمامه بيكي .... وانتظاره ليكي ... يابنتي ده بيبقى ناقص نوقف الشغل لغاية ما سيادتك توصلي
- إيه الكلام ده ؟؟
- ومالك احمريتي كده ليه ؟؟؟ هو إنسان ممتاز والله ... ربنا يجعل لك فيه نصيب
- آميييييييييييييييين
- اوبااااااااااااااااااااااااااااا .... وتقولي لي مش عارفة إيه
- إنت فهمت غلط .. أنا قصدي ... إن شاء الله يعني
- خلاص خلاص ... متكمليش ... وساكته ليه يا بنتي .. متخليه يشوف مشاعرك دي يمكن يتحرك بسرعة
- إزاي يعني ؟؟؟
- يا خايبانه ......!!!!! تعالي أفهمك
- أنا مش حعمل حاجة حرام لو على رقبتي
- تعالي تعالي ...حرام إيه اتق الله هو احنا وش ذلك ... بصي يا ستي ... أولاً ارفعي وشك من على الأرض شوية علشان يشوف إنك مبتسمة في وشه ..... وواربي الباب
- ابص له إزاي يعني ... مينفعش
- لا حول ولا قوة إلا بالله .... مش ده مشروع جواز وللا صحوبية
- جواز
- خلاص .... بصي له وسيبيه هو كمان يشوفك ......
- إيه حكاية الباب دي ؟؟
- لما تكوني بتشتغلي في حاجة وييجي يكلمك ... خلي إجاباتك تسمح بأكتر من آه ....و لأ ... علشان لو عاوز يقول حاجة يقولها
- مش فاهمة
- يانيرمين إنت ساعات بتردي عليه كأنك في خناقة ... على نظام اسكت مش عاوزة أتكلم
- معقول ..... ؟؟؟ ده يبقى من خوفي بقى
- خايفه من إيه ؟؟
- خايفه من نفسي لأتعلق بيه أكتر ..... وخايفه يحس إن وشي بيحمر وقلبي بيدق وكده
- لأ ... ياستي سيبيه يشوفهم ولو مرة ...طيب الراجل عمال ييجي لك شمال ويمين وأنت رازعة الدنيا في وشه يعمل إيه ؟؟؟؟
- تفتكري
- جربي بس وبكره تدعي لي ... أومال مصطفى جه على ملا وشه إزاي ؟؟؟؟ تكتكتة يابنتي مش أي كلام
وضحكت ملء قلبي وأنا لا أصدق سعادتي .... معقول ..هل يحبني فعلاً .. ؟؟ ولماذا سكت ؟؟ وأين كان ؟؟؟ أم إنها تتخيل ؟؟؟؟ لست رخيصة لعرض نفسي على رجل .... أبداً ..... لن يرى مشاعري ... على جثتي ..وغامت على قلبي سحابة حزن وخيبة أمل أفقدتني الرغبة في العمل ... فقررت الاستئذان
- خير ؟؟
- أبداً يا دكتور حاسة إني تعبانة بس شوية ... أنا أخدت رسومات أكملها في البيت
- يعني إيه ؟؟ مش راجعة بعد العصر حتى ؟؟
- الحقيقة مش متأكدة ... عن إذنك
- استني
ووجدته يرافقني خارجاً ...... حتى إذا صرنا على باب الكلية التفت إلي بلهفة حقيقية
- صحيح تعبانة وللا فيه حاجة تانية ؟؟
- م .... مش .... أبداً ... هو ... صداع خفيف كده .... بس ...
- لو مضايقك كلامي ... فأنا أعتذر .. ممكن أمشي
- لأ !!! قصدي ... مش مضايقني !!! يعني ... أبداً ...حتضايق ليه يا دكتور ؟؟
- نيرمين ...
- نعم
- تقبلي تتجوزيني ؟؟؟؟
حلماً ... وحياً .... أسطورة ... خيال ...... لا تسألونى فلن تعرفوا
ولكني لازلت أداعبه بأني أحببته أولاً منذ رأيته وهو احتاج أن يحصل على الدكتوراه من فرنسا ليكتشف أني نصه الحلو.