في صباح أحد تلك الأيام القصيرة ,, أيام الشتاء ,, جاءت إلي
إنها ضعيفة متخاذلة و لكن تود بذل المزيد من الآن ,, فقط من الآن _ وجدتها ترسم ابتسامة تفاؤل على وجهها الذابل عينها الناعسة . لكنها مليئة بالكثير من الشجن ,,,
ألقت علي السلام و ذهبت
سألتها : إلى أين؟
و لكنها لم تسمع أو أرادت ألا تسمع ,, سامحتها على ذلك فهي تعاني كثيرا....
ذهبت وتوالت الأيام على غيابها .. كلما زادت الأيام كلما ازداد قلقي .. فهي لم تعتد على ذلك
فقررت أن أبحث عنها ,, حاولت أن أسأل صديقاتها .. فتذكرت أن ليس لها ,, ذهبت لأطرق باب جيرانها .. لكنها تسكن وحيدة
و لكن كلما ازداد غيابها ازداد خوفي و تضاءلت شجاعتي.
إلى أن حدث ذلك الشيء المخيف حيث أخبرني أحد أصدقائي مشيت أسأل وسط سكان المنطقة عنها . هل شاهدوها ؟ . هل مرت أمامهم ؟
- أنها ذهبت في الاتجاه الجنوبي
استدرت فوجدت كهل يقول لي بأسى: لقد رأيتها و حاولت أمنعها لكنها أسرعت الخطى
هتفت بفزع :- كيف هذا هل وصلت لمرحلة الجنون؟
و كان الناس عندنا يتحدثون كثيرا منذ نعومة أظفاري على خطورة هذا الطريق و تتهافت ألسنتهم بالكثير من الأساطير عنه و كيف أن فلانا وجد مقطعا إلى أجزاء صغيرة ,, و أن آخر احترق عندما عبر إلى هناك ,,
كثير من هذه الأساطير التي كنت أتحاشى السماع إليها مؤخرا بسبب ما تسببه لي من ألم....
وكان علي الاختيار
هل اذهب ورائها لإنقاذها أم فات الأوان ؟
هل انتهت أم أنني إذا ذهبت سأكون أنا من انتهى ؟
تساؤلات كثيرة و إجابات مخيفة ظلت تتأرجح في رأسي
إلى أن قطع حبل أفكاري ذلك الكهل
- أن هذا الطريق من يتجاوز صعابه تتحقق طموحاته و آماله .. يجد سبيله و تتفتح له زهرة الحياة
بادرته بلهفة
- هل تعتقد أنها ذهبت من أجل ذلك ؟
تركني معلقا بدون أي إجابات في أوج فزعي
دفعت خوفي و قررت أن أبحث عنها .. فليس لها غيري إن تركتها ستضيع إلى الأبد
هرعت إلى هناك دون أن ألقي بالا لنصائح من حولي
في بداية الطريق شممت رائحة الموت تفوح من كل شبر فيه . جعلتني اقشعر و انتفض من مكاني
فكرت في التراجع لكني وجدت شيء ما يجتذبني لا أستطيع مقاومته ليدخلني إلى قلب الطريق
كان طريقا مظلما تنبعث من أطرافه أضواء حمراء مزعجة ,,
لا توجد أصوات إنما كيان الصمت نفسه من كان متواجد,, أرضه متعرجة رطبة تغوص بها الأقدام . تجعل الأرجل متثاقلة.
ناديت عليها , فرد علي صدى صوتي خائفا ,,
فقررت الاستمرار في المضي قدما فلا سبيل لدي للتراجع
بدأ المكان يضيق و بدا لي وجود أصوات في أحد مفارقة على يميني .. فجريت نحو هذا المفرق . ربما تكون هي أجدها و أحررها .
و عندما وصلت إلى نهاية المفرق لم أستطع أن أحرك ساكنا من هول ما رأيت و سمعت..
فهناك في نهايته كانت هي و لكن ليس كما كنت أتصور فهي تقف هناك مسلسلة بقيود من فولاذ يعجز أقوى الناس عن التخلص منها .. تُضرب بسياط كبيرة
و لكني رأيتها كعادتها تعاند و تقاوم ,, تمني نفسها بالخلاص .
تتوسل لهم بأن يتركوها فلا يستجيبوا لها .. فتتودد لهم بالتحدي ,, فيزداد ألمها.
لمحتني و أنا مختبئ في أثناء تعذيبها ..
ففرحت مستبشرة بالخلاص ,, لكنها استنكرت أن أجيء معرضا حياتي للخطر
فهتفت في دهشة :- كيف أتيت إلى هنا؟ و لماذا أتيت؟؟
و لكنها هتفت بألم : أرجوك ساعدني بسرعة ؟ سوف يقتلوني .. سأنتهي .
و لكن من كان يرد عليها هو صوت سياطهم و صمتي..
اقف من بعيد عاجزا لا أستطيع التحرك أو الاقتراب . أقف مرتعدا كطفل صغير رأى خطرا فيختبئ و يبكي رعبا منه
و كيف أساعدها؟!
و أنا شخص أنفرد به الخوف طويلا و سقاني من كأسه مرارا و تكرارا.
كانت صدمتها مفجعة لرد فعلي المخجل هذا
فتحولت بصوتها ناحية من يعذبوها
نظرة ألم و صدمة من عينيها تقابلها نظرات من العجز و الذبول مني
نادت عليهم راجية : أهلكوني بسرعة فلم يعد لي قيمة
فقد شاهدت الجبن في عين أقرب الناس لها
واستسلمت لهم و لم تعد تقاوم
و كأنهم استجابوا لطلبها . أشتد التعذيب و بدأت ملحمة النهاية
عظامها كسرت .. جلدها يُحرق . جثتها يُمثل بها
أما أنا اقف جمادا خذلتني أطرافي فلم اعد المسيطر عليها و لكنه الرعب ,,
دموعي تسيل أنهارا تسقيني شجن شديد المرارة...
أخذوها ألقوها بعيدا ,, ثم نظروا تجاهي و أتوا .. أمسكوا بي
قاومت فجروني على الأرض .. يأخذوني لمكان التعذيب.....
آتاهم صوت غليظ فجأة . لا أعلم من أين أتى .
يأمرهم بصرامة : اتركوه
و بمجرد أن تركوني انطلقت أجري بكل ما لدي من قوة هاربا من هذا المكان المفزع
فعلا هرولت عكس طريق قدومي
لكن عند وصولي لبدايته وجدت كل مخارجه مغلقة بأسياخ من فولاذ
و كنت في لعبة القط و الفأر
الصياد و الفريسة
الطرف الأقوى من يتحكم باللعبة . هو من يُملي شروطه
إلى أن قطع هذا الصوت الغليظ السكون
مناديا: سأجعلك تنجو و لكن لي شرط وحيد
لاهثا : سأنفذ لك أي طلب
بهدوء تشوبه السخرية قال : حينما تخرج ستجد شخصان رفيقان يكونا معك بعد ذلك أينما ذهبت
هاتفا : أوافق .
- لا مجال للتراجع
- أخرجني و سأنفذ لك ما تطلب
ففتح لي طريق الخروج .. و أنتظر حتى خرجت تماما
فوجدت صوته خلفي تتعالى السخرية التامة في نبراته :
- أعرفك الآن برفيقيك الجديدين ..........
اليأس و الألم.