الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وبعد .
المقدمة
ما إن دخل العالم عقد التسعينيات من القرن الفائت حتى بدأت معالم هذا العالم بالتغير , فقد تبدل الموقف الدولي بانهيار الإتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة بالتربع على عرش العالم وقيادته قيادة منفردة بسطت فيه سلطتها ووصايتها عليه, وقد صاحب هذا التغير , تغير في وسائل الإعلام لوحظ بشكل بارز في انفراد الولايات المتحدة بتغطية حرب الخليج عام 1991 حيث لعبت محطة cnn دورا واضحا في هذه التغطية وكانت المصدر شبه الوحيد في نقل مجريات الأحداث والمعارك من أرض المعركة لتبثها إلى العالم كله الذي كان ينتظر بثها لحظة بلحظة .
وقد تنبهت الدول الكبرى الفاعلة على المسرح الدولى في إطار مصالحها وتنافسها على قيادة العالم والتأثير فيه لأهمية الإعلام كأداة فاعلة في توجيه هذه المصالح بتأثيرها على الرأي العام وعلى سياسات الدول , وفي كشف المخططات وفضح الأعمال السياسية للولايات المتحدة .
وفي هذا الإطار قامت بريطانيا بإنشاء الجزيرة وهي أول محطة فضائية إخبارية عربية تخرج عن المألوف في عالم الف الإعلام الرسمي ردحا من الزمن , واقتربت من المحظور الذي لم يكن أحد يجرأ من الاقتراب منه , وخرجت عن الدبلوماسية المعهودة , فعرت الأنظمة التابعة للولايات المتحدة كالسعودية ومصر مما أحدث تأزما في العلاقات بينها وبين قطر , واستطاعت أن تكسب شعبية واسعة لدى الشعوب التي سئمت إعلامها الرسمي , ولم يستطع هذا الإعلام أن يوقف القناة رغم محاولاته الجادة , فآثر أن يلعب نفس اللعبة .
وما إن انتهى هذا العقد إلا وقد عج الفضاء بالأقمار الصناعية التي أظلمت الأرض بأخبارها وبرامجها المسمومة , ودخلت في كل زاوية من زوايا العلاقات بين البشر , فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية , ولم يسلم من سمومها الصغير والكبير , ولا الخفير والوزير .
( قناة أبو ظبي )
في مثل هذا الفضاء , انطلقت قناة( أبو ظبي ) باحثة عن موطئ قدم لها تبث منه سمومها , بأسلوب وسياسة خاصة .
فقد انطلقت في 30 يناير / كانون الثاني 2000 متوجهة إلى جميع المشاهدين العرب في كافة أنحاء العالم , وهي تعتبر الامتداد الأول لتلفزيون الأمارات العربية المتحدة من أبو ظبي, والقناة تابعة لوزارة الإعلام ويشرف عليها وزير الإعلام الشيخ عبد الله بن زايد , وصدر أخيرا مرسوم يقضي بتأسيس شركة أبو ظبي للإعلام شركة مساهمة عامة برأس مال 100 مليون درهم .
وتعتبر قناة أبو ظبي قناة متنوعة تقدم بالإضافة إلى البرامج الإخبارية الشاملة , تشكيلة من البرامج الوثائقية والأعمال الدرامية والكوميدية والترفيهية وذلك تلبية لحاجات وأذواق الجمهور العريض بمختلف شرائحه , أو قل تخريبا وتشويها لأذواق الجمهور العريض بمختلف شرائحه .
ففي استراتيجيتها للاستحواذ على أكبر عدد من الجمهور بهدف التأثير فيه , اعتمدت تكتيكا يظهر في تنوع هذه المادة المعروضة لتتماشى مع أبرز الأحداث التي تهم وتشغل الجمهور بمختلف شرائحه وطبقاته , لا لتنهض به وترتقي بل ليزداد انحطاطا وتبعية للغرب الكافر , ويتمثل ذلك في عدد من النقاط وهي
أولا : التضليل في نقل الخبر
ثانيا : استقطاب ذوي الشهرة والكفاءة من الإعلاميين
ثالثا : : شراء بعض الأعمال الدرامية وبثها حصريا على القناة
رابعا : لقاءات حصرية لفنانين وفنانات
خامسا : المسابقات الأدبية
سادسا : البرامج الدينية
سايعا : استخدام التقنيات والتكنولوجيا الحديثة في نقل الصورة
والمتتبع للنقاط السبعة السابقة يلحظ بعد القناة عن تبني قضايا وهموم الأمة , بل هي تسعى بكل ما أوتيت من مكر ومال أن تحرف الأمة عن تطلعاتها نحو العزة والرفعة أو أن تقتعد المقعد اللائق بها كخير أمة أخرجت للناس .
ففي نشراتها الإخبارية وبرامجها السياسية , تنتقي القناة من بين آلاف الأخبار والمواضيع المتعلقة بالصراعات الدائرة على الأمة الإسلامية , أخبارا تتوافق مع مصالح الدول الكبرى وتغلفها بغلاف من الشرعية الدولية وتصورها على أنها الحل الوحيد للخروج من هذه الصراعات , وتبرر مواقف الدول الكبرى في عدوانها على الأمة الإسلامية تحت حجج واهية كمحاربة الإرهاب والتطرف ,وكذلك تعقد الندوات واللقاءات المفتوحة التي تبث من خلالها أفكار الغرب وقيمه مركزة على الديموقراطية والحرية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان , وتجعل من هذه الأفكار مرتكزات أساسية للنهضة , والأنكى من ذلك وإمعانا في التضليل والتحريف فقد ألبست هذه الأفكار والقيم عباءة الإسلام علها بذلك تسوقها فتلقى قبولا عند الأمة , وكان الأولى بها أن تكشف زيف هذه الأفكار ومخالفتها لأفكار المسلمين , وأن تفضح عمالة الحكام وتبعيتهم للغرب بتعبيدهم الطريق وتسهيل مهمة الكفار في عدوانهم على المسلمين حين يصبح البر والبحر والجو مرتعا للكفار وقاعدة ينطلقون منها لضرب الإسلام وضرب تطلعات الأمة الساعية لتوحيد بلاد المسلمين في دولة واحدة وتحت راية واحدة بقيادة خليفة واحد يروي للأمة عطشها للعزة والكرامة .
ولم تكتف القناة بالتضليل السياسي والفكري بل سعت جاهدة لإفساد شباب وبنات المسلمين بتقديمها للبرامج والمسلسلات الساقطة التي تشكل أكثر من 60% من مجموع ما يعرض على شاشة القناة,
برامج ومسلسلات تدعو للحب وإشاعة السفور لدى المرأة وإظهارها كمظلومة أمام الرجل , وتقوم بالتحريض على طلب المساواة على النمط الغربي , وما برنامج خطوة وبيت المودة وإنت مين الذي يستضيف "أبطال وبطلات" العري بالفيديو كليب وألأغاني الوقحه والهابطه وتصويرهم على انهم رموز وقدوة المجتمع , إلا مثالا على هذا الإفساد المتعمد لذوق وأخلاق الشباب المسلم .
ولو انهم عالجوا مشكلة الرجل والمرأة بالأحكام الشرعية التي فرضها الله عز وجل لكن خيرا لهم وأعف وأطهر , وكان الأولى بالقناة أن تنشر الفضيلة والعفة وتطالب بتطبيق شرع الله عز وجل بإقامة الخلافة التي تكفل للمرأة والرجل العدل وإحقاق الحق كما أمر رب الخلق .
ولكنها أبت إلا أن تستنسخ قيم الغرب وتجريعها للمسلمين بصورة بهيمية أبعد ما تكون عن الإنسانية التي كرمها الله عز وجل .
كما ابتعدت القناة في المساحة القصيرة التي تمنحها للبرامج الدينية , عن هموم الأمة واكتفت بعرض جوانب من فروع الإسلام , أو قضايا لا علاقة لها بنهضة الأمة النهضة الصحيحة , وحين تتعرض لقضايا فكرية إسلامية كبرنامج الأصل والعصر فإنها تنطلق في تأصيل الثوابت لتتلاءم مع متغيرات العصر بثقافة الوسطية التي تتماشى مع ما يبثه الغرب من أفكار لتشوه فكر الإسلام النقي في عقول أبنائه , وابتعدت عن طرح الحل والبديل الحقيقي الذي ملأ الدنيا ضجيجا وعلت الأصوات منادية بتطبيقه وأفزع الغرب وأقض مضجعه وهو يرى الأمة تنادي بالعودة إلى إسلامها ودولتها
و أضافت القناة لسياسة التضليل والإفساد سياسة الإلهاء وقتل الوقت بمسابقات وبرامج ترفيهية تنفق فيها أموالا ضخمة كبرنامج الكنز وكأن الأمة في دعة وراحة ولا تعرف أين تذهب بالوقت حتى تبذره بهذه الصورة , بل وجعلت من اللغة والأدب مجالا للترفيه والسباق في برنامج أمير الشعراء الذي أثار حنق الكثيرين من الأدباء والشعراء من المتسابقين وغيرهم على رداءة وخطأ المعايير التي اعتمدت في الترشيح ولجنة التحكيم التي تفتقد للمتخصصين أصلا في مجال الشعر والأدب .
كل هذا تعرضه القناة بأسلوب مبهرج يبهر العقول ويخطف الأبصار مستفيدة من التكنولوجيا الحديثة وتوجهها سلاحا خطيرا إلى كبد الأمة خدمة لقضايا أعدائها .